بعد انسحاب العقيد عبد الله يوسف من مؤتمر القاهرة توجه مباشرة إلى أديس أبابا، والتقى هناك بمسؤولين في الحكومة الإثيوبية، ثم انتقل إلى مناطق شمال شرق الصومال “المشهورة حاليًا ببونت لاند” وعقد لقاءات مكوكية مع زعماء العشائر ووجهاء المنطقة، وتم التوافق على تأسيس إدارة موحدة للقبائل القاطنة هناك. وبالفعل، تم الإعلان عن مؤتمر تأسيسي أواسط عام 1998، إلى أن أُعلن إنشاء إدارة بونت لاند نهاية شهر يوليو/تموز 1998، التي تتكون من خمس محافظات من بين 18 محافظة صومالية. ولديها برلمان معين من شيوخ القبائل، ورئيس منتخب، وهو العقيد عبد الله يوسف، الذي استطاع العقيد أن يلعب دورًا محوريًّا في القضية الصومالية، وبدأ يشارك المؤتمرات باسم بونت لاند، لكنه، رفض المشاركة بمؤتمر المصالحة الذي عُقد في جيبوتي عام 2000، بدعوة من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلى، كما عارض الدولة الانتقالية التي نتجت عن هذا المؤتمر برئاسة السيد عبدي قاسم صلاد حسن، وكوّن تحالفًا جمع زعماء الحرب في مقديشو، وقيادات أخرى من مناطق الجنوب الغربي، إلى أن أُعلن عن مؤتمر نيروبي 2002 للمصالحة بين الرئيس عبدي قاسم صلاد، ومعارضيه في بونت لاند وزعماء الحرب من الجنوب، وانتهى هذا المؤتمر بتعيين برلمان جديد، وانتخاب العقيد عبد الله يوسف رئيسًا للصومال، واستقال فورًا من رئاسته لإدارة بونت لاند، وسلَّمها إلى نائبه السيد محمد عبدي حاشي، ليكمل الفترة الانتقالية الزمنية المتبقية للإدارة.
كردستان الصومال
منذ تكوين هذه الإدارة عام 1998 وترأسها العقيد عبد الله يوسف الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للبلاد، ومرورًا بثلاثة رؤساء آخرين تعاقبوا على حكم المنطقة، وحتى كتابة هذه السطور، لم تعمل في بونت لاند جميع المؤسسات التابعة للدولة الاتحادية؛ حيث يتمتع الإقليم، بشرطة، وجيش، وأجهزة استخباراتية التي لا تتعامل مع الحكومات الاتحادية المتعاقبة في مقديشو. والغريب أن وزير الدفاع للحكومة الفيدرالية، وقائد الشرطة العام، وكذلك مدير المخابرات العامة للبلاد ليس لديهم السلطة في متابعة وإصدار توجيهات للأجهزة المماثلة لها في بونت لاند، ومثلهما القطاعات الخدمية، التعليم، والصحة، بالإضافة إلى النظام الضريبي. كل ذلك لا يخضع لمراقبة الحكومة الاتحادية، بينما قيادات الجيش، والشرطة، والأمن، في بونت لاند، يعطون ولاءهم فقط لرئيس المنطقة الذي لا يرفع تقاريره إلى رئيس الجمهورية في أي ملف من ملفات الدولة الحيوية.
إلى جانب ذلك، تبحث بونت لاند دائمًا وضعية خاصة لها، سواء في العلاقة مع الخارج، أو الاستحقاقات السياسية المحلية، كما أنها تتقدم كل مرحلة من مراحل التفاوض خطوات لتعزيز فرصها نحو تقليص دور الحكومة الفيدرالية عليها، خاصة القضايا ذات العلاقة مع الموارد الطبيعية وحصولها على حرية التعاقد مع الشركات الأجنبية.
ورغم كل ذلك، فإن هذه المنطقة تتمتع بأمن واستقرار سياسي منذ إنشائها، وكان لها الفضل والسبق في تعميق دور المجتمع لتكوين إداراته، والتوافق نحو الاستقرار النسبي، ووضع الأسس الكفيلة لعدم العودة إلى الفوضى والاقتتال، وأصبحت بونت لاند قدوة لمناطق أخرى استطاعت تكوين إدارات في أكثر من منطقة، خاصة الجنوب ووسط البلاد.
بونت لاند دومًا تسعى ليكون لها وضع مميز عن غيرها من المناطق الصومالية حيث تعتبر نفسها نواة الدول الفيدرالية القادمة في الصومال، كما تسعى حثيثًا لتحجيم وتقليص دور الحكومة الاتحادية مقابل تضخيم وتوسيع دور المناطق الفيدرالية.
الخلافات المعلنة
محافظة “مدغ”: تبعية من؟
تقع محافظة مدغ وسط الصومال و”جالكعيو” حاضرة الإقليم، وتتكون من خمس مدن: “جرّيبن” و”جلدغب” ونصف “جالكعيو” تتبع لإدارة بونت لاند، أما مدينة “هوبيو” و”حراطيري” والنصف المتبقي من “جالكعيو” فتابعة لإدارة “جلمدغ”؛ هذا وفق الجغرافيا السكانية لمحافظة “مدغ”.
كالعادة، أغلب القبائل الصومالية موزع وفق الجغرافيا السكانية، كما أن النظام الإداري للمحافظات يغلب عليه طابع الأكثرية لقبيلة معينة، وهو ما يقلِّل وتيرة النزاع على حكم المحافظة، واشتُهرت المناطق ذات التداخل القبلي بالنزاعات والاشتباكات المتكررة نتيجة الصراع على الموارد والإدارة، إلا أن محافظة “مدغ” التي تقع وسط البلاد معروفة باندماج قبلي لسكانها خاصة مدينة “جالكعيو” عاصمة الإقليم، التي تعتبر نموذجًا فريدًا للتداخل بين المجتمعات القبلية. ومما يُبرز وضعها الشائك أن مدينة “جالكعيو” نفسها موزعة إداريًّا بنظام “بونت لاند” التي تتحكم بالمطار، ونظام “جلمدغ” الذي يدير أحد شطري المدينة. واللافت، أن تقاسم المدينة على هذا النحو هو على أساس قبلي، وليس توزيعًا إداريًّا وفق المعايير المعتادة للدول.
ورغم هذا النوع من التداخل، إلا أن المنطقة شهدت استقرارًا منذ توقيع اتفاقية تقاسم المدينة قبل عشرين عامًا بين الراحل الجنرال محمد فارح “عيديد” والرئيس السابق العقيد عبد الله يوسف منتصف عام 1993، وتم التفاهم حينها حول جميع الملفات الحساسة مما أدى إلى هدوء دامَ كل هذه الفترة السابقة، لكن، مما آثار القضية مرة أخرى، إعلان الحكومة الفيدرالية دمج منطقة “مدغ” مع منطقة “جلجدود” لإنشاء حكم ذاتي، وقد أُعلن عن عقد مؤتمر تشاوري الشهر القادم لسكان هاتين المنطقتين، وباركت هذه الخطوة كل الإدارات الأخرى التي تحكم الأجزاء التي تتكون منها المنطقتان ما عدا نظام “بونت لاند” الذي شعر بأنه سيخسر ثلاث مدن تابعة له حاليًا، وأهمها: “جالكعيو” حاضرة إقليم “مدغ” وليس هذا فحسب، بل يقلل رقعة سيطرتها، ويُضعف أيضًا ثقلها السياسي حاضرًا ومستقبلاً، وأدى ذلك إلى إعلان نظام “بونت لاند” قطع علاقته وتواصله مع الحكومة الفيدرالية، ووقف جميع أشكال التعاون مع الحكومة الفيدرالية لحين تراجع الحكومة عن قرارها بتكوين حكم ذاتي للمناطق المذكورة أعلاه.
أما الحكومة المركزية فترى أن الدستور يُلزمها بإنشاء إدارات ذات حكم ذاتي بشرط أن تتكون من أكثر من محافظتين. وبناء على ذلك، يجب دمج المحافظات على أساس التوزيع الإداري وليس الانتماء القبلي، بالإضافة إلى تنفيذ بنود دستورية تُلزم الحكومة الفيدرالية بالإسراع في التمهيد لإجراء انتخابات مباشرة بعدة إجراءات، أهمها: تكوين أقاليم ذات حكم ذاتي، وتكملة الدستور وعرضه على البرلمان الحالي، وإجراء إحصاء سكاني في كل ربوع الصومال، ثم الاستفتاء على الدستور، وأخيرًا الانتخابات المباشرة.
وعلى أية حال يعتبر ملف محافظة “مدغ” جوهريًّا للعلاقة بين بونت لاند والحكومة الفيدرالية، فتبعية هذه المنطقة تقرر مصير بونت لاند، كما تمهد للحكومة فرض رأيها على الأقاليم والإدارات الأخرى.
الفيدرالية، وكتابة الدستور
يعرف المتابعون للشأن الصومالي أن إدارة بونت لاند من أشد المطالبين بالنظام الفيدرالي، وفي مؤتمر المصالحة في 2002 الذي عُقد في كينيا اشترطت بونت لاند تغيير اسم الجمهورية الصومالية إلى الجمهورية الفيدرالية الصومالية، وهو الاسم المتبع في الدستور المؤقت ساري المفعول حتى اللحظة، ويحظى مشروع الفيدرالية أيضًا بدعم من سكان مناطق باي وبكول في الجنوب الغربي من البلاد، واشتُهر السياسيون المنتمون لأهالي مقديشو، وبدعم من أغلب المناطق الأخرى، برفضهم لمشروع الفيدرالية، لكنهم يوافقون على وضع صياغة دستورية تعطي صلاحيات وتوفر الخدمات الضرورية للأقاليم، والحفاظ على مركزية الدولة من أجل التمسك بالوحدة وتشديد القوانين التي ترفع قيم المواطنة والمساواة بين أبناء الوطن.
أثناء كتابة الدستور الحالي المؤقت كان لبونت لاند دور محوري في صياغته، واستطاعت إضافة وحذف بنود أساسية، منها: النظام الفيدرالي، وإعطاء امتيازات لإدارة بونت لاند، أهمها: أحقية بونت لاند في المشاركة في جميع مراحل كتابة الدستور، قبل عرضه على الاستفتاء العام، كما يعطي لها الحق في إبداء رأيها حول طبيعة تكوين الإدارات الأخرى على مستوى الجمهورية، وهي نقاط لا تُرضي بعض الأطراف الأساسية المشاركة في كتابة الدستور، وتقول الحكومة الفيدرالية: إن بونت لاند تستخدم هذه الامتيازات كورقة ضغط على الحكومة الاتحادية عند الاختلاف حول قضايا أخرى لا علاقة لها بالدستور.
وتتمتع بونت لاند تتمتع بوفرة هائلة من الموارد الطبيعية، كالنفط، والمعادن، والأحجار الكريمة، وغيرها ، وأعلنت بونت لاند أكثر من مرة, أن لها الحق المطلق في التعامل مع الشركات العالمية والتعاقد معها بشكل مباشر، بينما ترفض الحكومة الاتحادية هذا الطرح، وأصدرت بيانات وعقدت مؤتمرات صحفية ترفض التعاقد مع الإدارات المحلية، وأنه لا يحق لأية شركة التنقيب عن النفط إلا بعد التفاهم مع الحكومة الاتحادية، وأن أية شركة تبدأ العمل في الصومال دون الحصول على إذن كتابي من الحكومة الاتحادية سوف تعرِّض نفسها للمساءلة القانونية، وينطبق هذا القرار أيضًا على “نظام صومالي لاند”. وبالفعل بدأت بعض الشركات في الانسحاب من هذه المناطق، وهو ما أثار حفيظة بونت لاند، فكررت دعوتها للشركات لاستئناف عملية التنقيب في مناطق إدارتها، وقامت بخطوات تصعيدية أخرى ضد الحكومة الاتحادية.
التظلم المبطّن: عدم الحصول على منصب رئيس الوزراء
جرت العادة غير المقننة بأن تحصل القبائل القاطنة في بونت لاند على أحد المنصبين: الرئاسة أو الوزير الأول، وبؤخذ على الحكام الجدد في مقديشو، عدم اختيار رئيس الوزراء مرتين متتاليتين في ظل حكم الرئيس الحالي من قبائل بونت لاند، وهو ما اعتبروه تجاهلاً متعمدًا، وتهميشًا ممنهجًا وإقصاء، وهي مسألة تفتح باب الشحناء والضغينة بين الحكومة الفيدرالية وسكان مناطق بونت لاند.
ورغم أن الدستور لا يعطي أحقية دستورية لأهل بونت لاند بأن ينتمي رئيس الوزراء إليهم، كما لا يمنع الدستور إعادة تعيين من يراه الرئيس مناسبًا للمنصب ولو كان ينتمي لنفس عشيرة رئيس الوزراء السابق، فإن طاقم الرئيس لم يستطع إيجاد إجراءات وطرق شفافة تضع معايير مقبولة لدى الجميع لاختيار الوزير الأول للحكومة، وذلك، من أجل رفع اللبس والشكوك عن رئيس الجمهورية في نظر بعض القبائل الصومالية، خاصة قبائل بونت لاند، وكان من المفترض إعطاؤهم مناصب أخرى مرموقة مثل قيادات الجيش، واللجان الوطنية الأخرى، وهي فرصة لا تزال سانحة لتصحيح نظرة كثيرين من أهل بونت لاند تجاه الحكومة الفيدرالية.
الحكومة الفيدرالية وبونت لاند.. التقارب والتباعد
مرحلة العقيد/ عبد الله يوسف أحمد (1998- 2004)
كان العقيد عبد الله يوسف أول رئيس للإقليم كما مر وخلال السنتين الأوليين من حكمه لم يكن للصومال رئيس منتخب للجمهورية. لكن، بعد انتخاب السيد عبدي قاسم صلاد رئيسًا للبلاد، أعلن حاكم بونت لاند عدم اعترافه به كرئيس للصومال، وأعلن دعمه لمعارضيه؛ مما أدى إلى عقد مؤتمر آخر للمصالحة في نيروبي انتهى بانتخابه رئيسًا للبلاد. ويشير العارفون لسيرة عبد الله يوسف، إلى أنه استخدم منصّة بونت لاند للوصول إلى سدة حكم البلاد، وبحكم أنه كان طامحًا لمنصب رئيس الجمهورية، لم يُعطِ أولوية لفصل بونت لاند عن بقية الصومال، كما أنه لم يهتم بمشاريع كبيرة تكفل بقاءه حاكمًا لها، لكنه، ركز جهده لتصبح إدارته محورًا رئيسًا لاستغلال القضايا الأساسية للبلاد في صالحه، واستطاع خلال حكمه تكوين جيش، وقوى أمنية لاستتباب الأمن في المنطقة، وحارب جميع المظاهر المسلحة في المحافظات الخمسة التي سيطر عليها.
مرحلة السيد الجنرال/ محمود موسى حرسي الملقب بعدي موسى (2005-2009)
انتُخب الجنرال عدي موسى رئيسًا لبونت لاند بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية التي قضاها نائبًا لعبد الله يوسف فحكم أربع سنوات، وكانت علاقته مع الحكومة الفيدرالية تتسم بالتبعية والدعم المباشر لها، بحكم أن رئيس البلاد العقيد عبد الله يوسف ينتمي إلى بونت لاند. وكانت إدارته تساند الحكومة الاتحادية بكل أنواع الدعم المالي والدبلوماسي واللوجستي، ولم تُسجل أية خلافات علنية بينهما، ويعود السبب في ذلك أيضًا إلى شخصية الرئيس عبد الله يوسف الذي كان يحظى بتأييد واسع له في هذه المنطقة التي يعتبر مؤسسها وحاكمها السابق.
وركز جهده للحصول على عقود مع الشركات النفطية، واستقطاب مستثمرين من الخارج في مجالات الثروة الحيوانية وإدارة الموانئ، وتوسيع الموارد الاقتصادية للإدارة.
مرحلة السيد/ عبد الرحمن شيخ محمود الملقب بفرولي (2009-2013)
دام حكم “فرولي” خمس سنوات متتالية، وامتازت الفترة بمظاهر إدارية رسخت روح الانفصال، منها:
-
صياغة دستور جديد للإقليم على خلاف الميثاق الذي ورثه من الحكم السابق سيما ما يتعلق بالعلاقة بين الولاية والحكومة الفيدرالية, فكل مظاهر روح الانفصال الظاهرة في دستور بونت لاند الحالي من صياغته.
-
تعديل اسم النظام من ولاية بونت لاند الصومالية Puntland State of Somaliaإلى دولة بونت لاند Puntland State تمهيدًا للانفصال.
-
إنشاء عَلَم خاص ونشيد وطني.
-
تمديد فترة الحكم من أربع سنوات إلى خمس.
-
الخروج من المألوف في المراسيم الدولية عند زيارة ممثلي الحكومة الاتحادية للولاية حيث يتم استقبالهم كالوفود الرسمية القادمة من الدول الأجنبية.
-
استغلال ضعف الحكومة الاتحادية في سيطرتها على العاصمة مقديشو (في بدايتها كانت تسيطر على 3 كيلومترات فقط في العاصمة)، بل على المناطق الأخرى والازدراء بها أمام معارضيها من حركة الشباب.
-
حجب أحقية أعضاء البرلمان الفيدرالي عن بونت لاند في التمثيل الشرعي للولاية.
-
تعزيز دور الوسطاء الدوليين (المجتمع الدولي ودول الجوار) لحفظ وضمان مصالح بونت لاند وكتابة شكاوى متتالية لهم بغية تحجيم دور الحكومة الاتحادية.
-
التهديد بتجميد العلاقة والانفصال لاحقًا إذا لم تستجب الحكومة الاتحادية مطالب الولاية.
مرحلة السيد عبد الولي علي غاس (الرئيس الحالي) (2014- 2019)
بعد خسارة “السيد عبد الرحمن فرولي” في الانتخابات الأخيرة التي جرت العام الجاري فاز برئاسة بونت لاند بفارق صوت واحد السيد عبد الولي علي غاس، توقع الجميع أن مستوى العلاقة بين بونت لاند والحكومة الفيدرالية سوف يتغير إلى الأحسن، بسبب أن السيد “غاس” تولى منصب رئاسة الوزراء أيام رئيس الجمهورية شيخ شريف شيخ أحمد، لكن الأمور زادت تعقيدًا، وأعلن “عبد الولي غاس” قطع علاقاته مع الحكومة الفيدرالية على غرار سابقه، وطالب بوساطة دولية عبر مفاوضات جادة مع جميع الملفات، خاصة، الملفات ذات العلاقة مع كتابة الدستور، والفيدرالية، وتوزيع الموارد الطبيعية.
اتفاقيات الطرفين.. أسباب الفشل والآفاق
لم تستقر الأحوال بين الطرفين حتى اللحظة، ويبدو أن هناك قضايا جوهرية تجعل تطبيق الاتفاقية صعبًا. وهناك أسباب أساسية منها:
السبب الأول: بعض مطالب بونت لاند لم تكن الحكومات الفيدرالية الانتقالية السابقة تملك صلاحيات دستورية تؤهلها لتطبيق بنود الاتفاقية الموقعة من طرفها، وبناء على حسن النية أو تهدئة الأزمة تقوم بالموافقة والتوقيع، وينتهي الأمر، بشعور بونت لاند بأن الحكومة الاتحادية لا تريد احتواءها.
السبب الثاني: قيادات بونت لاند خاصة مرحلة “فرولي” كانت تفضل الصدام المستمر مع مقديشو، وتستخدم شعار الصراع ورقة للحفاظ على بونت لاند، وخلق بيئة مجتمعية تعطي ولاءها فقط لحكام المنطقة، وتعادي الدولة الفيدرالية في مقديشو، للتمهيد لخطوات أخرى نحو الانفصال.
السبب الثالث: نقص الإرادة السياسية من طرف الحكومة الفيدرالية لاستيعاب إدارة بونت لاند عبر توفير موارد مالية تتحمل جزءًا من نفقاتها الضرورية، مثل رواتب الجيش، والشرطة، ودعم الميزانية الإجمالية للإقليم.
السبب الرابع: غياب أو تغييب دور ممثلي بونت لاند في الحكومة الاتحادية، حيث تشارك بونت لاند بأكثر من ثلاثين نائبًا في البرلمان الفيدرالي، وقرابة عشرين في المائة من التشكيلة الوزراية، بالإضافة، إلى حصولها في بعض المراحل على منصب رئيس الوزراء، ومع ذلك، لم يمارس هؤلاء سلطة التمثيل لمنطقتهم أو القيام بتقريب وجهات النظر بينهما بسبب حصر القائمين بنظام بونت لاند هذه الأحقية لنفسهم فقط.
السبب الخامس: تزايد نفوذ الحكومة الفيدرالية يومًا بعد يوم بدحر الحركات المناوئة للحكومة وتوسيع رقعة سيطرة وحكم إدارة الحكومة الفيدرالية وتحسن الأوضاع الأمنية والسياسية في البلد مما جعل موقف الحكومة الفيدرالية في قوة مطردة.
السيناريوهات المحتملة
المرحلة القادمة في الصومال لا شك أنها دخلت واقعًا جديدًا أساسه أن الحكومة الفيدرالية دولة أنهت الفترة الانتقالية، وحظيت باهتمام المجتمع الدولي عبر تقديم التواصل المباشر مع مقديشو، ووقف سياسة التعامل المزدوج مع الأقاليم والحكومة، وهو ما أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة “هيلاري كلينتون” أثناء لقائها مع الرئيس حسن شيخ محمود في أول زيارة له إلى أميركا، بالإضافة إلى اعتراف واشنطن بالحكومة الحالية, وبأنها الممثل الوحيد للصومال، وقد استقبل الرئيس بارك أوباما رسميًّا السفير الصومالي عمر عبد الرشيد شرماركى، أغسطس/آب الماضي كأول سفير له منذ 23 عامًا، وفي الأسبوع الماضي، زار مقديشو، نائب وزير خارجية الصين ليفتتح سفارة لبلاده هناك. يبدو أن السيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين بونت لاند ومقديشو على النحو التالي:
السيناريو الأول
نظرًا لتوسع الحكومة الفيدرالية في رقعة سيطرتها على البلاد، وتقليص دور حركة الشباب في الجنوب، وحصولها على الدعم الدولي على الأقل دبلوماسيًّا، بالإضافة إلى قوات الأميصوم التي تعتبر الذراع العسكرية للدولة، والدعم المالي الذي يأتيها من بعض الدول العربية، والاسلامية، والصديقة، يُفرَض على القيادة في بونت لاند التوافق مع الحكومة الفيدارلية، وفتح صفحة جديدة معها، وفي حال تأخرها عن ذلك، مع تحسن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للحكومة الفيدرالية تصبح بونت لاند معزولة عن بقية البلاد، بل، قد تخسر بعضًا من أوراقها السياسية وتبقى مشغولة بنفسها دون الإضرار بالآخرين.
السيناريو الثاني
أن لا تتمكن الحكومة الفيدرالية من الاستفادة من الفرص التي أمامها محليًّا ودوليًّا، بل تبقى مرهونة بالصراعات التي بداخلها، مثل الخلافات المتكررة بين الرئيس ورئيس الوزراء، والنزاع المتكرر بين البرلمان والحكومة، أو البرلمان والرئيس، بالإضافة إلى انشغالها بالإدارات الأخرى في الجنوب، وعدم حلِّها لعدد من الملفات الإقليمية خاصة العلاقة مع كينيا التي يزداد تباعد وجهات النظر بينهما في أكثر من محور. كل هذه القضايا، يعطي فرصة لبونت لاند للاستمرار في نهجها التصادمي مع الحكومة الفيدرالية، وأن تشارك مع الحكومة في وضع خارطة الطريق للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وهو أمر إن حدث، يضع بونت لاند في موقف القوي الذي يملي شروطه على مقديشو دائمًا.
السيناريو الثالث
توقيع اتفاقيات وبرتوكولات بين الطرفين؛ مما يعني الاستمرار على المعتاد: تهدئة في بعض الملفات وسخونة في ملفات أخرى، وتبقى أزمة يتم التعايش الاضطراري معها لحين الوصول إلى الحل النهائي.
السيناريو الرابع
إنشاء إدارات محلية أخرى في المحافظات الجنوبية الأخرى على غرار بونت لاند تطبيقًا للدستور الاتحادي الحالي، ودعوة جميع الإدارات المحلية لإبداء الرأي في الملفات الساخنة مما يكسر امتيازات نظام بونت لاند.
______________________________________
* فهد ياسين – باحث في مركز الجزيرة للدراسات.